هي جوهرة الأطلس الصحراوي ورحلة مفتوحة
عبر الزمن لموطن الديناصورات، شكّلت في الآونة الأخيرة محلّ اهتمام السياح
الأجانب، لكلّ ما تحمله من خبايا وآثار تاريخية، فضلا عن المناظر الطبيعية
الخلابة من جبال صخرية وكثبان رملية تتغير بالتغيرات القوية للضوء على
امتداد طول النهار كما تتزين السهول العليا بكثرة نقاط الماء من بحيرات
وسبخات، وفي أقصى جنوبها جبال القصور الشامخة التي ترتدي قممها ثوبا ناصع
البياض من الثلج لعدة أشهر، وهو ما أثار انتباه ذوي الاختصاص لجعلها قطبا
سياحيا هاما، إنها مدينة النعامة التي سحرت زائريها بمعالمها .
ويتنوع المنتوج السياحي بولاية النعامة من نقوش صخرية وقصور ومتحجرات
ووعدات، حمام عين ورقة المعدني بالإضافة إلى الصناعات التقليدية والأكلات
الشعبية والتي يبقى عدد منها بحاجة إلى الاهتمام، يعود تاريخ اكتشاف النقوش
الصخرية والتي تعتبر من روائع الفن البدائي العالمي إلى 25 أفريل 1847 من
طرف المستعمر الفرنسي وكان أول هذه الاكتشافات هي جدارية منقوشة موجودة
بتيوت، وفي نفس السنة اكتشفت النقوش الصخرية في الأطلس الصحراوي، ويعد رصيد
الولاية من النقوش معتبرا وتبقى بحاجة ماسة للاهتمام بها حيث لا تزال تعرف
المواقع الأثرية وضعا مزريا بسبب ما اقترفته يد الإنسان من تخريب وتحريف
لبعض رسوماتها .
مواقع أثرية
وطبيعية بحاجة
إلى استغلال
تعتبر النعامة نقطة عبور للعديد من السياح الجزائريين والأجانب خلال
رحلاتهم باتجاه منطقة الساورة وفورارة، حيث لا تزال المنطقة تحتفظ بمواقع
جذابة جعلتها تظهر كمقصد ملائم للسياح الباحثين عن الراحة واكتشاف مواقع
خلابة.
القصور هي الذاكرة الحية للسكان، حيث يعود ظهورها بالمنطقة إلى القرن 15
وهي قرى تمتاز بأبراج دفاعية تتخللها واحات من النخيل ويتكون سكانها من
العرب والبربر، ولكل عاداته وتقاليده وصناعته، ولقد تبين من خلال الحفريات
أن القصور كانت موجودة قبل ظهور الإسلام وشيّدت من طرف السكان الأصليين وهم
البربر، ومن أهم هذه القصور: مغرار، قصر الشيخ بوعمامة، قصر تيوت، قصر
عسلة وقصر صفيصفة.
حقيقة وجود
“عملاق القصور”
بمنطقة رويس
الجير
على طول الطريق إلى عين الصفراء وبالتحديد إلى
برويس الجير لمتحف الديناصور، تتبادر عدة أسئلة إلى ذهنك عن مدى حقيقة
تواجد الديناصورات على أرض الجزائر،
ولكنّك وفور دخولك المتحف تتأكد من الحقائق،
حيث أوضح أحد الباحثين في الاكتشافات العلمية، أنه منذ بداية القرن العشرين
تم التأكد من احتمال وجود متحجرات لعظام الديناصورات بمنطقة رويس الجير
بعين الصفراء، إذ عثر سنة 1999 باحثون من شركة سوناطراك على كنز سياحي هام
ومواقع عديدة لمتحجرات بقايا الديناصورات، وتم اكتشاف 51 من حفريات
ومستحثات ديناصور صغير من سلالة آكلات الأعشاب، يتراوح طوله ما بين 10 إلى
12 م، وعمره ما بين 160 إلى 175 سنة، وتم الإعلان الرسمي لهذا الاكتشاف في
17 أكتوبر من سنة 2000، تحت اسم “عملاق القصور” .
وقد باشر الباحثون تزامنا مع تاريخ الاكتشاف،
في تعداد وتصنيف هذه الاكتشافات مع تسجيل عملية إنجاز مشروع متحف
للديناصورات التي انقرضت منذ أكثر من 175مليون سنة، أما النقوش الصخرية
فتوجد أكثر من 180 محطة بالنعامة وتستحوذ بلدية مغرار لوحدها على 100 محطة
بينما توجد 40 محطة بعين الصفراء و25 بعسلة و15 بصفيصفة إلا أن الملاحظة
المسجلة خلال معاينتنا لهذه المحطات هو الإهمال واللامبالاة التي طالت هذه
الكنوز.
عين ورقة..
مؤهلات هامة
ومرافق قليلة
يقع حمام الورقة الشهير بدائرة عسلة، هذه المحطة المعدنية معروفة
بمياهها الاستشفائية إذ تصل طاقة الاستقبال بها إلى 220 زائرا، مما يجعلها
نقطة انطلاق لتطوير السياحة، كما توجد بالحمام بحيرة بها نوع من الأسماك
النادرة وجبل مشهور بطبقاته الجيولوجية ذات الشكل العمودي.
وأمام هذه المؤهلات المهمة لا تتوفر عين ورقة
إلا على مرافق قليلة جدا، فباعتبارها منطقة توسع سياحي لابد أن تتوفر على
مرافق تتماشي والمقصد السياحي الذي خُلق من أجله، فإلى جانب وجود بيت
الشباب لا يوجد إلا بنڤالوهات للإقامة، والتي تقع في أسفل جبل شماريخ، وهو
الشيء الذي يثير حفيظة الوافدين إلى المنطقة ذات الجمال الساحر،
ويجمعون على ضرورة تدعميه ببعض المرافق، التي
من شأنها أن تساهم في استقطاب السياح كبناء فندق أمام الحمام وتخصيص مساحة
خضراء للتنزه أمام البحيرة المتواجدة بمحاذاة الحمام، بالإضافة إلى توفير
النقل من مدينة عسلة إلى عين ورقة.
“وعدة
المجاذبة” للصلح
بين الناس
وعقد القران
أشهر الوعدات الموسمية في النعامة هي وعدة سيدي أحمد المجذوب
التي تعقد في آخر الأسبوع الثاني من كل سنة في شهر أكتوبر، وهي فرصة
للتلاقي والاستمتاع بالفنتازيا ومن بين الفرق المشهورة في هذا النوع والتي
ينتظرها الجميع بشغف كبير، فرقة أولاد انهار بسبدو والعريشة، إلى جانب فرق
من سعيدة وسيدي بلعباس ووهران، وكذا أولاد سيد الحاج والحوض وعكرمة الشراقة
من البيّض، كما يستمتع كل من حضر برقصات العلاوي والحيدوس ورياضة العصي
وغيرها من الفنون والطبوع.
إن تشكّل فرق الفنطازيا المعروفة باسم العلفة، ومنها علفة
أولاد سليمان، علفة المجادبة، علفة السندان، علفة الشيخ بوعمامة وعلفة
أولاد سيد الشيخ، من أهم الأسباب وراء تزايد تربية الخيل بالنعامة، حيث
تكتسي العملية أهمية خاصة وعناية فائقة، حيث نجد أن جل القبائل المتواجدة
بالولاية تهتم بالخيل وتكرمه حتى يكاد يكون فردا من العائلة، فكان وما يزال
الخيل رمزا للشخصية العربية الأصيلة، إذ عُرف العربي بارتباطه الوثيق
بخيله وسيفه.
وتشكل وعدة سيدي أحمد المجذوب بالنسبة لأحفاده، موعدا للإعلان عن
الخطوبات والتزويج وحل الخلافات والنزاعات العالقة وكذلك مجلس لاتخاذ
القرارات بخصوص أمور كل فرد ينتمي لعرش المجاذبة، كما تعرف ولاية النعامة
أيضا باحتفالات موسمية أخرى عديدة مثل وعدة سيدي عيسى بعين بن خليل ووعدة
أولاد سيدي الحاج بقصر مغرار، ووعدة سيدي بلال بالمشرية والمميز أكثر في
هذه الأعياد المحلية هو الأكلات الشعبية الشهيرة والمتنوعة.
حكاية الصراع
من أجل
البقاء
وأنت تتوجه إلى النقوش الصخرية الموجودة بـ”تيوت”، ينتابك شعور بأنك
تدخل أحد المتاحف أو معرضا للوحات الرسمية أو صفحات كتاب تفتحه لقراءة أقدم
التعابير المرئية للإنسان، إنها نقوش صخرية، حقيقة تروي قصص وحكايات
السكان القدامى الذين استوطنوا منطقة تيوت، فبوسائل بدائية بسيطة وبذكائهم
أبدعوا في ابتكار تقنيات تعتمد على الرموز، التي حاولوا من خلالها نقل جانب
مهم من يوميات حياتهم التي ارتكزت على الصيد بالدرجة الأولى، كتلك التي
توضح مشاهد صيد الفيل والأسد، كما أبرزوا الطقوس التي يمارسونها في
احتفالاتهم، كمشهد النساء اللواتي يضعن أساور على سواعدهن، والوسائل التي
استعملوها في حروبهم دفاعا عن الوطن كصورة محاربين يحملون أقواسا، فالرموز
وهذه المشاهد ونحن نتمعن فيها، قد شكلت منظومة اتصالية تضمن الترابط
والتواصل بين الأجيال التي عمرت المكان على مر الزمان، كما أنها تُعتبر
شاهدا ماديا على جذور المنطقة الضاربة في أعماق التاريخ، كالجدارية الشهيرة
التي تحمل اسم “قصة”، وطولها 19 مترا، والتي تروي حكاية الصراع من أجل
البقاء تبقى بحاجة إلى رعاية واهتمام كبيرين لحماية هذا الإرث التاريخي
النادر، فالنقوش الصخرية لتيوت تُعتبر من روائع الفن البدائي الأولى من
نوعها على مستوى شمال إفريقيا، والتي تم اكتشافها في 24 أفريل 1847 من طرف
البعثة الاكتشافية الفرنسية إلى الأطلس الصحراوي، الذي يُعتبر أحد أكبر
المتاحف المفتوحة على الهواء في العالم على شكل محطات للرسومات والنقوش
الصخرية ومواقع الأدوات الحجرية والمغارات والكهوف، تنتشر عبر جبال القصور،
وهي شهادات حية لا تقدَّر بثمن توارثناها عن شعوب قديمة تشهد على طريقة
معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في ذلك
العصر، إذ تتواجد بولاية النعامة أكثر من 300 محطة للصخور المنقوشة، أبرزها
محطة تيوت ومحطة المحيصرات في بلدية العين الصفراء ومحطة أم البرايم بسيدي
براهيم وتاوزامت والصبيع ببلدية مغرار وغيرها.
ريادة في الصناعة
التقليدية
تمتلك ولاية النعامة من الصناعات التقليدية والتراث الثقافي ما يجعلها
رائدة في هذا المجال ونذكر منها صناعة النسيج المتمثلة في الزرابي، الجلابة
الصوفية والبرنوس (الهدون – السلهام) والأغطية الصوفية المختلفة الألوان،
أمّا خيم أهل المنطقة فتصنع من الشعر والصوف.
وبالحديث عن راهن السياحة بالمنطقة، فبالرغم من المعالم السياحية الثرية
والمتنوعة إلاّ أنّ هذا القطاع الحساس يلاقي الإهمال عدم الاهتمام من
السلطات المعنية، وهو اليوم عرضة للتآكل والزوال بفعل الإهمال واللامبالاة
وأعمال التخريب التي طالت أجزاء هامة من ذاكرة تيوت ومعالمها السياحية
والتاريخية المنقوشة على الصخور.